يسعى وزير الصناعة عماد حب الله إلى تقديم نموذج يعبر عن الطرح الذي ولدت على أساسه حكومة حسان دياب، أي التكنوقراط المستقلين، بغض النظر عن تسميته من قبل فريق سياسي محدد، عبر تأكيده أنها ليست حكومة 8 آذار أو اللون الواحد بل تحظى بتأييد أكثرية نيابية، لا بل يذهب إلى الحديث عن أن هناك قسماً ممن هم من خارج ما كان يُسمى 8 آذار يؤيد عملها في العديد من المجالات.
هذا الواقع يعبر عنه الوزير، الذي يوصف بـ"المشاكس"، بشكل واضح، محاولاً الإجابة عن أي سؤال يطرح عليه بكل شفافية، الأمر الذي يوقعه في بعض المشاكل أحياناً، لكنه يشدد على أنه لا يبحث عن أي إشكال مع أي جهة، لأن الهدف الأساسي هو محاولة الحد من سرعة الهبوط الذي تمر فيه البلاد، معطياً أمالاً بالمستقبل بالرغم من المشهد السوداوي الذي يسيطر على الأجواء العامة.
خلال لقاء مع مجموعة من الصحافيين شاركت فيه "النشرة"، يوضح وزير الصناعة حقيقة الطرح الذي كان قد تقدم به، يوم أمس، عبر مواقع التواصل الإجتماعي، حيث دعا إلى "تحدي التكافل اللبناني، خفض راتبك واحمي وظيفة"، حيث يشدد أن المقصود هو كبار المسؤولين في البلاد، وبالتالي لا يطرح تخفيض رواتب المواطنين العاديين، ويشير إلى أن الهدف من هذه المبادرة هو تخفيف الضغط عن الوظائف الموجودة.
وفي حين يؤكد حب الله أن هناك تجاوباً مع هذا الطرح لكن لا يزال دون المطلوب، يكشف أنه قد يطرح هذه المسألة على مجلس الوزراء إذا كانت الأجواء مساعدة، ويشير إلى أن عمليات الصرف التي تحصل قد تتكرر، ويعتبر أنها نتيجة الفساد وطريقة إدارة المال، كما أنها تندرج في إطار محاولات الضغط على لبنان لدفعه إلى إتخاذ مواقف سياسية مغايرة لمصالحه.
كمواطن لبناني، يشير حب الله إلى أنه راض عن أشياء كثيرة قامت بها الحكومة الحالية، لكن في المقابل هناك أشياء أخرى كان يتمنى أن تكون أفضل وأن يتم التحرك بها بشكل أسرع، خصوصاً على مستوى الإصلاح ومعالجة أزمة الكهرباء، لأنها من الأمور الأساسية بالنسبة إلى الدول التي تفكر في مساعدة لبنان، إلا أنه يلفت إلى أن كل خطوة تقوم بها الحكومة تواجه بوضع صعب من قبل المنظومة الفاسدة والمُفسدة.
وعلى الرغم من أن حب الله يفضل عدم الدخول في التسميات المباشرة، يشير إلى أن الكثيرين من هذه المنظومة موجودون في الإدارات العامة، في حين أن الآليات التنفيذية لأي خطوة هي تلك الإدارات، فإذا كان القضاء لا يتحرك بالسرعة المطلوبة والإدارات لا تتجاوب لا بل في بعض الأحيان تعرقل، وإذا كان الزعماء والسياسيون، بعضهم ممن هم داعمين لهذه الحكومة، يحاولون العرقلة، ماذا ستكون النتيجة؟، إلا أنه يؤكد أن الحكومة مستمرة في المحاولة لتجاوز هذه العراقيل التي هي من طبيعة النظام اللبناني، ويؤكد أن الإجراءات الإصلاحية السبعة مهمة في هذا المجال.
لدى السؤال عن مخاوف اللبنانيين بالنسبة إلى أموالهم في المصارف، يشدد حب الله على أنه يعاني ما يعانيه جميع المواطنين على هذا الصعيد، ولا يتردد في الكشف عن شيك مصرفي بحوزته لم يستطع صرفه، نظراً إلى أن المطروح عليه هو خسارة ما يقارب 70% من قيمته، ويشير إلى أن الوضع غير مقبول لكن همّ الحكومة هو حماية أموال المودعين، إلا أنه يؤكد أنه لا يريد الكذب على المواطين بالحديث عن حلول قريبة، نظراً إلى أن الحصول عليها قد يتأخر إلى حين تأمين بعض السيولة وعودة الإقتصاد إلى أن يقف على قدميه، وبالتالي المعالجة تحتاج إلى بعض الوقت.
بالنسبة إلى أبرز العناوين المطروحة في الوقت الراهن، أي التوجه شرقاً، يؤكد وزير الصناعة أن الحكومة بدأت بذلك، وهناك لقاءات تعقد على هذا الصعيد، لكنه يشدد على أن هذا الملف لا يمكن أن ينتهي بكبسة زر، حيث هناك مصالح الدول ومصالح اللبنانيين واللبنانيات التي هي الأولوية في كل النقاشات والمباحثات، ويلفت إلى أن هذا الخيار لا يعني إدارة الظهر إلى الغرب، لأن ما هو مطروح توسيع مروحة خيارات لبنان، ويضيف: "التوجه شرقاً واقع نعمل عليه بروية وسرعة من دون تسرع لكنه يحتاج إلى الوقت"، ويؤكد أن لا خطوط حمراء في هذا المجال، لأن الخط الوحيد المرسوم من قبل كل شخص في الحكومة منخرط في هذا المسار هو المصلحة الوطنية.
في الإطار نفسه، يشدد حب الله على أن الحكومة منفتحة على جميع الدول الشقيقة والصديقة، وأولها الدول العربية التي لديها نظرة واحدة لها، لكن في الداخل هناك الكثير من المعرقلين، ويطرح معادلة مفادها أن كل شخص يدعم السياسيين المسؤولين عن الفساد هو معرقل بشكل أو بآخر.
ويلفت حب الله إلى أن الحكومة تسعى إلى فتح عدة مجالات بالنسبة إلى تأمين الفيول، بطريقة لا تعتمد على فتح الإعتمادات بشكل أساسي، ويكشف أن هناك 4 أو 5 خطوات تعمل عليها كي لا تصل البلاد إلى العتمة، بالرغم من أن هناك في الداخل من يعمل مع بعض الجهات الخارجية كي يقع لبنان في العتمة، متمنياً من الجميع مساعدة الحكومة على الخروج من هذه الأزمة بدل التصويب عليها، أما بالنسبة إلى ملف إستجرار الكهرباء من سوريا، يؤكد أنه لا يشك بأن هذا الأمر سيحصل، لكنه يوضح أن المسألة مسألة وقت، من أجل تأمينها بشكل لا يسبب مشاكل لبنان بغنى عنها.
بالنسبة إلى دور وزارة الصناعة، يؤكد حب الله أن هدف الصناعة الأول هو محاولة تأمين ما يشبه الإكتفاء الذاتي من النواحي الزراعية والغذائية والدوائية والإستشفائية، بالإضافة إلى زيادة فرص العمل بالنسبة إلى اللبنانيين واللبنانيات، ورفع مستوى وقدرة لبنان على التصدير وخفض العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وفتح الباب أمام إستثمارات جديدة، لأن غياب الإنتاجية يؤدي إلى التبعية، ويشير إلى العمل على دعم الصناعيين الذي يبدأ من خطة الـ1200 مليار ليرة.
وفي هذا المجال يتطرق وزير الصناعة إلى الصناعات التكنولوجية، حيث يؤكد أن لدى لبنان القدرات التي تحتاج إلى التنمية والبيئة الحاضنة التي يسعى لتأمينها، ويكشف أن هناك خطة وضعت يعمل على تحسينها بعض الشيء بناء على التواصل مع اللبنانيين الذين يعملون في هذا المجال، داخل البلاد وخارجها، ويشير إلى أنه في 4 آب المقبل سيطلق عملا بسيطا على هذا الصعيد، هو عبارة عن مبادرة فردية تم تبنيها من قبل الوزارة، مع وجود عمل قائم على بعض المراسيم، التي تم الإتفاق عليها مع مؤسسة "إيدال" أُرسلت إلى مجلس الوزراء، في ما يتعلق بتشجيع الإستثمارات في هذا المجال.
في الختام، يجدد حب الله موقفه من الإتفاقيات الموقعة مع الخارج، التي يعتبر أنها لا تزال غير صالحة بالنسبة إلى لبنان، ويلفت إلى إعادة النظر بها من مسؤولية وزارة الإقتصاد والتجارة، التي تقوم بهذا العمل ولديها لجنة تدرس الموضوع، ويضيف: "عندما تصل إلى نتائج نقوم بما يجب القيام به، لكن المشكلة الأساس تكمن بالمدة التي تحتاج لها المباحثات أو إعادة الدراسة، إلا أن مسؤوليتنا كحكومة هي إتخاذ القرارات الضرورية".